[b]الله جميل ويحب الجمال، عبارة حكيمة تعكس توجها فطريا اوجده الخالق في النفس البشرية، لا ينكره إلا مكابر. ومن ثم فالبحث عن مواطن الجمال واستكشافها نزعة انسانية سوية وسلوك حضاري راق ومن ضمن كل خلق الله ميزت المرأة بخصوصية الجمال ليس فقط بجعلها نموذجا له بل بأن رزقها القدرة الفائقة على تذوق الجمال وملاحظته بأدق تفاصيله في امور كثيرة مادية كانت او معنوية، اضافة الى ميزة الحساسية الشديدة تجاه نظرة الآخرين في كل امر تعتبره جميلا «او ما يجب ان يكون جميلا» ومن جملة اهتماماتها الملبس بكل انواعه (قد لا يقل اهتمام الرجل به عن المرأة). ولعله من نافلة القول ان وظيفة الملبس لدى الانسان عموما ولدى المرأة خصوصا تتعدى حماية الجسد من تغيرات المناخ (جانب مادي) او التلصص والتحسس على العورات (جانب معنوي) الى مظهر من مظاهر الجمال (او اخفاء عيوب تشوه الجمال)، الا انه تظل المواءمة بين الملبس كمظهر جمالي والجسد كمادة يجب الحفاظ عليها موهبة لا يتمتع بها الكثيرون.
ويتفاوت الناس في قدرتهم على الوصول الى المعادلة المثلى التي تجمع ما بين ان يكون الانسان انيقا وفي الوقت نفسه محافظا على جسده ماديا ومعنويا او بتعبير آخر «مستورا».وككل امر في الدنيا تبرر المشاكل عندما تختل الموازنة بين ما يجب ستره وما يجوزابرازه ولا نحتاج الى كثير من التعمق في الفهم لنعي ان كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده وان التطرف في محاولة ابراز الجمال سيوصلنا الى حالة مؤذية من القبح (ماديا ومعنويا) والامر يحتاج الى تفصيل لسنا بصدده.
والحقيقة ان توافر القدرة على التذوق الجمالي كفيل في اكثر الاحيان، بأن يوفر للانسان حالة متزنة ما بين التجمل والستر الا انه يبقي قطاعا كبيرا من الناس (لاعتبارات كثيرة) بحاجة الى ارشاد لايجاد الحد الادنى بين ما يجب ان يستر وبين ما يجوز ان يبرز. وهنا تأتي التشريعات الدينية (على اختلافها) والقوانين الوضعية لتنظيم هذه القضية ليس فقط للحفاظ على كيان الفرد بل ايضا على باقي مكونات المجتمع من رجال ونساء واطفال حفاظا على مقدراته الاخلاقية والمعنوية والذوقية. ولنضرب مثلا ظاهرة يلاحظها احدنا عندما يتجول في كثير من الاماكن العامة ألا وهي ظاهرة التعري شبه التام من خلال ملابس (عادة سروال جينز) تكشف الصدر والبطن . ولنكن واقعيين هل بالفعل ما تبحث عنه العيون النهمة هو جمال الملبس واناقة الرداء، ان كان هناك رداء، وان ما يتبادر إلى ذهن الناظرين خصوصا الشباب منهم، اكثرهم على الاقل، هو كم هو راق ذوق هذه السيدة؟ في ظني ان ما يدور في مخيلة كثيرين منهم ليس جمال واناقة هذه السيدة او الآنسة بل امر لا علاقة له لا بالاناقة ولا حتى الادب. انا على ثقة بان غالبية من يلبسن امثال هذه الملابس لا يقصدن الاساءة لا لانفسهن ولا للاخرين وان جل ما يستهدفنه هو ابراز جمالهن تشبها باخريات صادفنهن في سفر ما او باعلان ماكر في احدى وسائل الاعلام وانسياقا وراء شعار «انت جميلة وابرزي جمالك»، وخطورة هذا الشعار ليس في مقطعه الأول لانه حقيقة بل في المقطع الثاني اي في ابراز لحم الجسد «للي يسوى واللي ما يسوى» من منطلق خاطئ على انه ابراز للجمال ليس فقط تحديا للشرائع كافة ولا حتى القانون الوضعي بل تحديا للذوق وتعديا على الجمال بابراز من القبائح ما تحرص حتى اشد الشعوب تخلفا . ان كان هناك شعب متخلف، على ستره. وتسقط المسكينة في فخ التشويه الذوقي والاخلاقي لانهم «خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء»حسب قول أمير الشعراء أحمد شوقي .هذا الموضوع موجه لمن تقدس الجمال ومن تعتقد انها اثمن واعز من ان تكون مادة للعبث (حتى في الخيال) لمن يسوى ومن لا يسوى تحت اي شعار كان ولتعذرني القلة التي ترى خلاف ذلك.[/b]