البنت الحادكة - حنان -

منذ نعومة أظافرها كانت تسمع نفس الأسطوانة تتردد على لسان والدتها «راه البنت هي الحداكة». كان أمرا عاديا بالنسبة لها أن ترى والدتها تضع لها كرسيا أمام المجلى لتصعد عليه لتنظيف الأواني . وتدربها على ترتيب الغرف وطي الملابس. في سن التاسعة كانت مساعدة رسمية لوالدتها في كل أمور البيت لا تستغني عنها في أي نشاط ولا تفوت فرصة لتدريبها على الأشغال المنزلية من طبخ وغسل وكنس. حنان لم تكن تتجرأ على الاحتجاج أو حتى الاستغراب لماذا عليها ترتيب أغراض إخوتها الذكور الأكبر سنا منها؟ ولماذا عليها إصلاح الفوضى التي يثيرونها في البيت بينما ينحصر دورهم في الدخول والخروج من وإلى البيت وكأنهم ضيوف؟ وفي كل مرة كانت الأم تتكفل بتفهيمها أن الأدوارمقسومة سلفا وأن كل ما تفعله هو في صالحها مادام سيرفع من أسهمها عندما يأتي اليوم الموعود ويحين وقت زواجها. اليوم وفي كل المناسبات تحرص بنت العشرين على إبراز مواهبها وحذاقتها أمام الجميع وتتفنن في جلب الأنظارإليها وهي تقفز في كل اتجاه بحركات رشيقة وخفة ملحوظة لإنجاز أشغالها بسرعة وإتقان، ليزداد نشاطها كلما سمعت كلمات الإطراء التي تلقيها النساء وهن منبهرات في براعتها في ترتيب البيت وتحضير «الشهيوات» العصرية والتقليدية. والدتها هي الأخرى لا تذخر جهدا في رفع أسهم الابنة المطيعة وهي تردد أمام صديقاتها وقريباتها «حنان بنتي هي لي هازا الداركاملة تبارك الله مهنياني الله يرضى عليها» .فأول شروط «الحداكة» عند حنان هو الاستيقاظ الباكر «غيرالمعكازات اللي كيبقاو ناعسين اصباح كامل» أما هي فتشرع في تحضير فطور غني«كنعجن الرغايف وبغرير ونطيب الحريرة...» ليأتي بعد ذلك يوم حافل بالكنس والغسل والطبخ. الكسكس والرفيسة والسمك واللحم أطباق رئيسية لايمكن لأية فتاة تدعي الحداكة الاستغناء عنها «الكسكسو ديالي ما كاينشي فحالو». تقول بثقة أما من لا تتقن تحضير هذا الطبق فهي بالنسبة لحنان لا تستحق أصلا أن تكون عروسا وستكون موضع سخرية الجميع في أحيان كثيرة.
وفي قرار نفسها يراودها بعض الندم لعدم إكمال تعليمها لكنها لا تلبث أن تعود وتطمئن على مستقبلها وهي تري بنات الجيران اللواتي يستنجدن «بالماكلا د الزنقة» كلما غابت والدتهن عن البيت لأنهن عاجزات عن تحضير وجبة متكاملة، ويكتفين بالفريت... شني عايعملوا نهار الي يتزوجوا ... بالمقابل تجد حنان نفسها مسلحة بمواهب تجعل جميع صديقات والدتها يحسدنها على هذه الابنة ويتمنين أن تكون زوجة لأبنائهن.

tbarklah 3liha rabi y7diha yarit law kano bnat kolah f7al hanan walakin 7abada law kanit wf9it bayn dirasa o choghol d dar walakin el kamalo lilah

أشكرك أختي المديرة على مرورك الكريم عبر صفحتي المتواضعة جزاك الله خيرا

فعلا إنه من اللازم والضروري على كل فتاة ان تعي وتكون على علم ودرايه بكل أمور المطبخ ...ولا يجب عليها ان تقضي كل حياتها في المطبخ هنالك اموراخرى يجب عليها ان تتعلمها ...لكن المؤسف في الأمر أن الفتاة الحادكــة اصبحت في طور الإندثار«فبنات اليوم كيعرفو يكتبو بستيلو صافي أما الحداكة الله يجيب». اطلقت الحاجة عايشة حكمها وهي ترسم ابتسامة خجولة على ملامحها.بالنسبة لها «الحداكة» واتقان كل ما يتعلق بالأشغال المنزلية ضرورة لايمكن لأية فتاة الاستغناء عنها، «خسارة ماعنديش البنات» تأسفت على سوء حظها وهي تؤكد أنها بالمقابل حرصت على اختيار زوجة من المشهود لهن بـالحداكة لابنها البكر. فنقمة الحاجة عايشة على بنات هذا الزمان كانت واضحة وهي تتحدث عن زوجة ابنها الآخر التي فرضها الابن عليها مضيعا على نفسه عروسا من اختيار الوالدة «حزموني ورزموني وماتعولوش عليا».
هكذا تلخص الحاجة تعريف العروس الجديدة التي لا تتقن في نظرها سوى مشاهدة التلفاز وتقليم أظافرها «الراجل ما عندو ما يعمل بمونيكا فالدار خصو مرا بذراعها كتعراف الشغول ديالا». لا تلوم الحاجة الفتاة بقدر ما تلوم والدتها التي أهملت إعدادها «لمهمتها» ولذلك فهي عازمة على تدريبها والقسوة عليها مهما كانت النتيجة كي لا تكون أضحوكة أمام الجميع، وتقسم أن ما تفعله سيكون في صالح العروس التي ستكتشف ذلك فيما بعد «ما بغيتاشي تحشمنا مع الضيوف». لكن أكثر ما يخيف الحاجة هو أن تجعل العروس «المعكازة» من زوجها مساعدا لها عندما تعجز عن تدبر أمورها لوحدها وهو ما لا تقبله الحاجة.

هاد الشي كان زمان. كان هدا رد جيهان الطالبة الجامعية صريحا وهي تعترف بأنها بمقياس الكثير من الحموات ستكون كنة غير مرغوب فيها لأنها ببساطة ليست من هواة التيد وجافيل.فعوض مشاهدة برامج الطبخ المملة تفضل تناول قطعة بيتزا بالمطعم المجاور والعودة للبيت للاستمتاع بمسلسلها المفضل. تقطع جيهان حديثها بضحكة قصيرة وتعود لتؤكد أنها من اللواتي ينطبق عليهن المثل الشعبي ..بنت الحادكة معكازة وبنت المعكازة حادكة. فحب والدتها للإتقان والسرعة في إنجاز كل شيء بنفسها لم يكن يسمح لها بولوج عالم الحداكة فكانت الأم تتكفل بكل أمور البيت ولا تحتاج لمساعدة أحد ولذلك كان كل تركيزها منكبا على دراستها. بصراحة كنت مفششة .. تعترف جيهان، وتتذكر كيف كانت بعض صديقاتها يحسدنها على تفرغها للدراسة بينما تحكم عليهن أمهاتهن بساعات طويلة من الأشغال المنزلية التي لا تنتهي لأن أمهاتهن يعتبرن ذلك الرصيد الأول الذي يجب توفره في أية فتاة لتكون زوجة صالحة.بالنسبة لجيهان كلمة «الشقا» كافية لتجعلها تفضل الاستمتاع بفراغها وحريتها في بيت والديها دون أن ترهق نفسها بأمور ستجد نفسها مجبرة على القيام بها في يوم من الأيام. فهي تؤمن بالمثل القائل «وريني دويرة ديالي نوريك الحداكة ديالي » وتستدل على ذلك بصديقتها الحميمة التي تزوجت منذ فترة والتي أكدت لها أن بضعة كتب للطبخ وبعض التنظيم يكفيها لتدبر أمورها، خاصة إذا كان زوجها من الذين لا يجدون إحراجا في دخول المطبخ.

تبدو جيهان مطمئنة على مستقبلها في بيت زوجها لأنها متأكدة من أن خطيبها يريد زوجة وليس مجرد خادمة «خطيبي يعرف أني لازلت مبتدئة ووالدته تعلم أيضا لكنها لا تعارض وتطمئنني أني سرعان ما أتكيف مع الوضع الجديد».

أظن أن آلة لغسل الثياب، أو آلة لغسل الصحون، مكنسة كهربائية، فرن كهربائي، مطاعم ومخابز لبيع الأكل الجاهز في كل مكان، كلها أمور لا يبدو أنها تشفع للفتيات في التخلص من عبء الأشغال المنزلية بل والتفوق في إنجازها، فموهبة «الحداكة» لدى الكثيرين ميزة ضرورية لابد من توفرها في عروس المستقبل لضمان استقرار البيت الزوجي.